http://www.alarabalyawm.net/pages.php?news_id=187572
10/10/2009
العرب اليوم - آيه الخوالدة
يؤمن الكاتب الاردني ناصر فالح الريماوي بضرورة الحفاظ على إستقلالية القصة القصيرة ككيان أدبي لا غنى عنه, مع التأكيد على خصوصية هذا الكيان في تلبية الحاجات الملحة في وقتنا الراهن, ويذهب الريماوي في ابداعه الى اللغة الشعرية بكل تناقضاتها لينفرد بايقاع اللغة وتلقائية السرد.
والريماوي عضو ومشرف في إتحاد كتاب الأنترنت العرب, وله مجموعة قصصية صدرت حديثاً عن دار تالة في دمشق عنوان جاليريا. التقته العرب اليوم وحاورته.
* يذهب كبار القاصين الى وجود خطر يحدق في مصير القصة القصيرة, ما رأيك في صحة هذا الكلام?
- لقد ذهب البعض إلى أكثر من ذلك, وهو تأبين القصة القصيرة بعد موت مبرمج, والبعض الآخر إلى إلحاقها بغيرها من الأجناس الأدبية بعد حكم استباقي بحتمية إندثارها, من وجهة نظر متفائلة أجد نفسي ميالاً لتصديق فكرة وجود أزمة تمر بها القصة القصيرة وليس خطراً محدقاً يهدد مصيرها كجنس ادبي له أهميته, اما دواعي هذه الأزمة في رأيي الشخصي, فهو إنتفاء الثقة بالقدرة الكامنة التي تميز القصة القصيرة عن غيرها من الاجناس الادبية الأخرى, أو الإفتقار إلى المحاولات الجادة في إستثمار تلك القدرة الهائلة بحدها الأقصى كما ينبغي, هذا ربما أدى بمرور الوقت إلى تلاشي روح العقيدة بين العديد من معتنقي ومريدي هذا النوع من الكتابة, فأوقعها في ذلك المأزق.
أجد نفسي منحازاً وبشدة إلى تعدد الأصوات في تمثيل الأغلبية والتي تنادي بتطوير القصة القصيرة مع ضرورة الحفاظ على إستقلاليتها ككيان أدبي لا غنى عنه, مع التأكيد على خصوصية هذا الكيان في تلبية الحاجات الملحة في وقتنا الراهن. أنحاز إلى تطور القصة القصيرة من الداخل بالإطالة والتمدد -مع الأبقاء على مبدأ الأقتصاد اللغوي - بحيث يمكن للقصة القصيرة أن تستوعب عندئذٍ إضافات نوعية جديدة على صعيدي الشكل والمضمون, كالأسطورة والموروث الشعبي والحدث التاريخي, والحدث القائم على جمع المعلومة والتحليل النفسي الذي يستند إلى دراسة معمقة. لست منحازاً إلى التطور الذي يؤدي إلى إنشطار كيانات سردية متعددة كالقصة القصيرة جدا والخاطرة والنصوص العابرة نحو تجنيس محتمل… فهذا من شانه ان يفاقم أزمة القصة بل ويعمل على إندثارها.
* عمدت في بعض قصصك الى استخدام اللغة الشعرية, فكيف يخدم ذلك ولوجها الى قلب وفكر القارئ سريعا?
- أعتقد أن اللغة الشعرية تمتلك مقومات النفاذ السلس بامتياز نحو القلب والعقل, لكنها قد تسبب إرباكاً محتملا للقارىء في نص قصصي يقوم على توصيف الحدث.
في حالة التداخل الشديد بين الموضوع والشكل تتجلى تلك الروح الشعرية والتي يتطلب التعبير فيها تكثيفاً لغويا كبيرا للمعاني بايجاز ومن دون فائض لغوي لا مبرر له, كما تأخذ فيه الإنزياحات اهمية كبيرة واولوية على الحدث.
هناك أيضاً الطبيعة الفطرية, المسكونة بإيقاع اللغة والتي قد تنفذ إلى البنية السردية بتلقائية شديدة من خلال لغة شعرية في مرحلة ما من النص من دون الخضوع لسيطرة ذهنية.
* تفرض كتابة القصة القصيرة نوعا من القيود على صاحبها, فكيف تصف لنا علاقتك مع هذا النوع الادبي?
- لا توجد قيود مفروضة إنما ضوابط وقوانين أساسية تحكم فنيات السرد وتقنياته, يجب أخذها بعين الإعتبار عند الشروع في الكتابة.
أنطلق بحرية تامة لحظة الكتابة الإبداعية دون قيود بعد أن تتبلور الرؤية القصصية لدي وتتضح, عندها فقط تتحول تلك الورقة البيضاء إلى بيئة ملائمة للتجريب الحر في حضور تلك الرؤية.
يختلط الترتيب على صعيد الحدث او التسلسل الزمني في بعض كتاباتي, وفي تلاشي التوصيف الزماني والمكاني يبرز التركيز على البيئة المختلَقة والحركة العشوائية للشخوص ضمن المتن القصصي, وذلك لدفع القصة على صعيد الشكل والمضمون نحو الإنفتاح على فضاءات رحبة يكون من شأنها إستقطاب أيُّ تجديد محتمل.
* تقف القصة دوما على مفترق طرق بمواجهة الشعر, حيث ادعى بعضهم ان الشعر ديوان العرب, فما رأيك?
- لكل جنس ادبي إستقلاليته التامة عن الآخر, لا اعتقد بأن المفاضلة بين جنسين مختلفين تماماً هي مفاضلة منصفة أو مفيدة, فقد إستطاعت القصة القصيرة وبالرغم من عمرها القصير والذي لا يقارن بعمر الشعر أن تحقق حضوراً ملفتاً على الساحة الادبية في العالم العربي, مما يجعلها الآن مؤهلة وبقوة لأن تقف إلى جانب الشعر للمشاركة في صفحات ذلك الديوان لا أن تقف امامه على مفترق للطرق.
* هل يستطيع الاديب ان يلزم نفسه بفترة زمنية محددة لانجاز عمل ابداعي ما اجازة التفرغ الابداعي?
- اذا كان هذا الإلزام الزمني المحدد وفقاً لبرنامج يضعه الكاتب لنفسه, فلا ضير, لكن المشكلة قد تنشأ في حال إعتباره قيداً ملزماً من طرف آخر بحيث يتم فرضه على الكاتب, هنا أصبح عنصر الوقت يشكل قيداً من نوع ما, والابداع لا يمكن أن تحكمه قيود من أي نوع.
التفرغ مسألة مختلفة, فهي شرط أساسي لإنجاز أي عمل أبداعي, ربما تكمن إشكالية التفرغ بذلك التقييد الزمني, على أيّ حال هناك امثلة عملية تشير إلى إمكانية التعامل مع هذا الوضع بنجاح ربما من خلال القدرة على التكيف النفسي والذهني, فالكاتب والروائي جمال ناجي أنجز روايته الرائعة عندما تشيخ الذئاب في ظروف مماثلة.
* هل تعتقد بأن سهولة النشر, السبب الرئيسي الذي يكمن وراء كثرة الاصدارات ذات المحتوى الفارغ, ام هناك اسباب اخرى?
- بالمقابل فإن سهولة النشر كانت سبباً في الكشف عن مواهب دفينة و أعمال إبداعية مميزة تستحق الثناء, ربما تؤدي سهولة النشر لتبني سياسة الكم على حساب النوع لدى الكثيرين, لكنها ليست السبب الرئيسي في تراكم تلك الإصدارات السطحية عديمة المحتوى, فالإنجاز المتسرع بقصد النشر هو الدافع الاكبر, لكن الأسباب المباشرة سوف تتجلى بالضرورة سواء كانت هناك سهولة في النشر أم لم تكن, منها التخلي عن الجانب الثقافي والاعتماد على نواة الموهبة فقط, عدم الرغبة في إختيار مضامين يتطلب إخضاع محتواها للدراسة أو السعي الضروري للتقصي حولها, عدم الرغبة أو القدرة على المعايشة الضرورية بشكل كاف لإبراز العناصر السردية كما يجب (نتحدث عن القصة والرواية هنا), غياب الرؤية القصصية والسردية تماماً, الكتابة بلا ضوابط فنية من دون أي اعتبار للحد الأدنى من تقنيات السرد… واسباب مباشرة أخرى لا مجال لذكرها الآن.
* ما هو مشروعك القادم?
- خوض غمار القصة الطويلة او الرواية القصيرة, لتجسيد فكرة لا زالت تختمر عن نشأة مدينة أردنية لا زالت تحيا في داخلي بكل متناقضاتها الجميلة, مدهشة بتلك التناقضات إلى حد مثير وبدعوة ضاغطة في النزوح إلى عمق التفاصيل البعيدة نحو لجة القاع, حيث البدايات المغمورة تحت ركام الزمن الغابر, عن التكوين والنشأة, عن نفض الغبار بحنو لإستحضار القديم بروح الزمن الأول.
أتمنى ان اوفق بذلك مبتعداً عن التوثيق الصرف, مازجاً بفنية بين ما هو تاريخي وما هو تخيلي ومكتسب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق